هل يمر القطار على أجساد السوريين المعتصمين على الحدود اليونانية؟
منذ أكثر من أربع سنوات والهجرة غير الشرعية تستحوذ على اهتمام وسائل
الإعلام العالمية، خاصة وأنها باتت هجرة باتجاه الموت، هرباً من موت آخر
أكثر قسوة وجبروتاً، فالموت غرقاً في البحر، أفضل من الموت تحت الأنقاض
بقصف البراميل المتفجرة، أو الموت على الحدود البرية بين الدول الأوربية،
حيث يصبح هذا النمط من الموت بمثابة رفاهية زائدة، إذا ما قورن بتقطيع
الأوصال عبر صواريخ الطيران الحربي، الذي يقصف كل المدن والبلدات السورية،
التي خرجت عن سيطرته بسبب تقدم قوات المعارضة الكبير.
مأساة العبور غير الشرعي كانت معاناة السوريين الذين يغامرون في الهروب إلى الدول الأوربية
من الحرب السورية، تتلخّص في الوصول إلى اليونان، عبر البحر الفاصل بين
الأراضي التركية والجزر اليونانية، إذ كانت مخاوفهم تنحصر بالغرق، على متن
مراكب الموت التي تحمل زيادة على طاقتها 4 او 5 أضعاف الحمولة، لكن الأمر
بات مختلفاً تماماً الآن، وابتداء منذ عدة أشهر، حيث أصبحت الحدود البرية
بين الدول الأوربية التي لا تنضوي تحت لواء الاتحاد الأوربي، مثل ( مقدونيا
وصريبا ) مفتوحة؛ تعتبر هاتان الدولتان المعبر الرئيسي للوصول إلى الاتحاد
الأوربي، آتين من اليونان باتجاه بوابته الأساسية في النمسا، بعد مسير على
الأقدام يقدر بمئات الكليومترات، داخل الغابات، وفي الطرق الوعرة. ما زاد
في المعاناة هو الأعداد الكبيرة التي تحاول المرور عبر هذا الطريق البري،
الذي يعتبر أقل تكلفة، مع مشقة أكبر من تلك التي يتكبّدها من يختارون
الطيران، خاصة أن هذا الطريق تسلكه العائلات والشباب الذين يئسوا من الحياة
داخل سورية..
الحدود اليونانية – المقدونية.. معتصمون يعيقون حركة القطار استطعنا التواصل مع عدد من السوريين العالقين على الحدود اليونانية –
المقدونية، ممن حاولوا، وعلى مدى أربعة أيام، الدخول إلى مقدونيا، لمتابعة
الطريق إلى صريبا، ومن ثم الاتحاد الأوربي، إلا أن السلطات المقدونية
تمنعهم من الدخول، بالإضافة إلى أن السلطات اليونانية تعتبر أن هذا العبور
غير قانوني، علماً أنها تمنح ورقة خاصة لمغادرة الأراضي اليونانية خلال ستة
أشهر، تسمى بين المهاجرين "الخارطية".
تقول المواطنة السورية (لينا الخياط)، وهي واحدة من السوريين العالقين على
الحدود: "بعد كل معاناة خوض البحر لساعات طويلة، أملاً في الوصول إلى
الأمان، نرى أنفسنا الآن على الحدود اليونانية – المقدونية، محاصرين
وممنوعين من دخول الأراضي المقدونية للوصول الى أوربا" وتتابع "الخياط"
قائلة: "السوريون لا يريدون الهرب، ولكنهم يبحثون عن الأمان، والحقيقة أن
هذا الطريق هو الوحيد للوصول إلى أوربا، خاصة وأن المنظمات الدولية صامتة
إزاء مأساة السوريين، التي دخلت عامها الخامس".
حول تعداد السوريين العالقين على الحدود اليونانية- المقدونية، تقول:" يقدر
عددنا نحن العالقين على الحدود بنحو 700 سوري، من أصل ألف شخص معتصم
تقريباً، بيننا نساء وأطفال وشباب" وتوضح "لينا" بأنه هنالك اطفال اضطروا
للمشي نحو 40 كم على أقدامهم، من أجل الوصول الى هذه النقطة،واصفة إياها
بالـ"معاناة الحقيقية"، خاصة مع "رفض القوات المقدونية" لدخولهم؛ استطاع
الشباب من خلال التواصل فيما بينهم أن يتفقوا على تنفيذ الاعتصام على
الحدود والتجمع على خط السكة الحديدية، من أجل "قطع طريق القطار حتى تنفيذ
المطالب بدخول الأراضي المقدونية".
من جهته، يقول خالد، وهوأحد الشباب المعتصمين:"نحن في مدينة افزونيا على
السكة الحديدية، في 3/7/،2015 من أمامنا الجيش والشرطة المقدونية، ومن
خلفنا الجيش والشرطة اليونانية، مضت علينا عدة ساعات، ونحن معتصمون على
السكة". ويوضح خالد بأنهم بدؤوا اعتصامهم بهذا التاريخ، إلا أنّهم " منذ
أربعة أيام على هذه الحدود بدون طعام أو ماء، وممنوعين من دخول مقدونيا"
مؤكّداً أنهم سيمنعون مرور القطار حتى تنفيذ مطالبهم، ويضيف: "في البداية
بدؤوا بتهديدنا لترك السكة، وتطوّر الأمر لدرجة أنّهم ضربوا عدداً من
المعتصمين بالهراوات"
المهربون شركاء للسلطات ضد المهاجرين في سابقة تكاد تكون من ضرباً من الخيال، يتفق مهربي البشر مع
السلطات الحكومية ضد المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنّ هذا هو واقع الحال في
هذا المكان من العالم، حيث اتفق الطرفان ضدّ السوريين في محنتهم، يقول
الشاب محمد غياث طرشة "نحن هنا منذ أربعة أيام، نريد الدخول الى الأراضي
المقدونية بدون مهربين، إلا أن هذا الأمر يكاد يكون مستحيلاً، فهنالك اتفاق
بين مهربي البشر على الحدود، والسلطات الأمنية المقدونية" في إشارة إلى
أنّ " كل شخص يرفض أن يدفع لمهربي البشر، تتمّ الوشاية به للسلطات، ومن
يدفع يمرّ".
يمضي "طرشة في سرد معاناتهم قائلاً: "نحن خرجنا عن طريق البر، وتكبّدنا كل هذه المعاناة، لأننا لا نملك المال، كيف سأدفع لأمرّ؟؟".
توضح لينا خياط، فيما يتعلّق بالسياق ذاته: "حاول بعض من الشباب الذين لا
يتجاوز عددهم الـ 10 الدخول بطريقة خفية، إلا ان السلطات المقدونية ألقت
القبض عليهم بمساعدة مهربي البشر على الحدود، وضربوهم بالهراوات على رؤوسهم
وأرجلهم، وأخذوا منهم حقائبهم، وأعادوها بعد فترة وجيزة، ليتفاجأ الجميع
أن جوازاتهم قد سُرقت من حقائبهم"
مطالب مشروعة للمهاجرين دخلت السلطات اليونانية والمقدونية في مفاوضات جديّة لإنهاء
الاعتصام، مع بعض التهديدات بإعادة المعتصمين إلى الأراضي السورية التي
يسيطر عليها النظام، في محاولة لإعادة فتح السكة الحديدية من أجل مرور
القطارات، إلا أن مطالب السوريين كانت واضحة تماماً، حيث تقول منى محمد،
وهي أم لطفلتين، وإحدى المعتصمات على سكة الحديد: "المعتصمون على السكة
الحديدية هنا، لهم مطلب وحيد، وهو العبور من الأراضي المقدونية باتجاه
أوربا، ولا يريدون أي شيء آخر" معقبة بأن السلطات اليونانية قد عرضت عليهم
الاستضافة، والطعام والشراب، عن طريق الحكومة اليونانية، إلا أن الجميع
رفضوا هذه العروض،قائلة: "نحن لا نريد من يطعمنا، نريد الوصول إلى بلد آمن
من أجل أطفالنا".
أحد الآباء من العالقين، ويدعى معتز /45عاماً/ يقول " لديّ ثلاثة أطفال،
استشهدت زوجتي تحت قصف البراميل في حلب الشرقية؛ خرجت مع أولادي لأنقذهم من
الموت هل سيموتون هنا؟؟ نحن نحاول أن نهرب من الموت، دعونا نمر،ّ دعونا
نعيش".
يؤكد محمد غياث طرشة، أحد الشباب المعتصمين على السكة الحديدية: "المعتصمون
المتواجدون على السكة، هم من الشباب فقط، أما المتواجدون في المنطقة فهم
من مختلف الأعمار، لأننا لا نريد لأحد من النساء أو الأطفال أن يتأذى فيما
لو تعرضنا لهجوم من السلطات" ويضيف:" نحاول أن نكون هادئين جدًا في حوارنا
مع السلطات، فلا نحاول استفزازهم، ليعرفوا أن الشباب السوريين حضاريين،
وليس كما يسوّق عنا النظام بأننا خربنا بلادنا"
تهديدات بمرور القطار ولو على الآجساد تحاول السلطات اليونانية والمقدونية الضغط على المعتصمين على السكة
الحديدية، وبحسب لينا الخياط ومحمد غياث طرشة، كشاهدي عيان أنه جرت محاولات
لتمرير القطار، حيث تقول لينا: "عندما سمعنا بهذه التهديدات، بدأ الناس
بالتجمهر على السكة بأعداد كبيرة، تقريباً كل العالقين على الحدود في مختلف
المناطق، جميعهم على قلب واحد، ولسان حالهم يقول إما أن نموت أو نمرّ إلى
أوربا".
من جهته يشير (محمد غياث طرشة) إلى أن هذا الاعتصام "لن ينتهي إلا بتنفيذ
مطالبنا" قائلاً: "إعادتنا إلى اليونان أو سوريا هو الموت بعينه، لذا
نفضّل أن نموت هنا تحت عجلات القطار".
وتشير الأخبار الواردة من الحدود اليونانية- المقدونية أنّ المعتصمين أمضوا
ليلتهم الأولى في العراء، في ظروف شديدة البؤس، حيث يصل سعر عبوة الماء
الصغيرة إلى 2يورو، ورفضوا جميع الوساطات، سواء من قبل السياح الذين كان
يفترض أن يعبروا إلى مقدونيا في القطار، أو الصحفيين الأجانب الذين ادعوا
أنهم سيوصلون أصواتهم، شريطة أن يسمحوا للقطار بالمرور، ولكن يبدو أن
الحياة أجبرت السوريين على فقدان الثقة بأيّ كان، إلى أن يثبت العكس.
مركز حمص الإعلامي - Homs Media Center
عبارة عن مجموعة من الشباب الناشطين والإعلاميين المتواجدين على أراضي محافظة حمص. هدفنا؛ العمل لصالح بلدنا سورية عامة وحمص الحبيبة خاصةً. سيكون عملنا إحترافي وحيادي.