مقالات جديدة

Previous
Next

"حديقة الموت"


محمد أبو مصعب: مركز حمص

قصة مجزرة حي الوعرطعنة بظهر الإنسانية"تسجيل مشاهد الحدث من مسرح الجريمة"

وصف المادة 3 من الأحكام العامة لاتفاق جنيف أغسطس 1949 حول حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب:
"في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع بأن لا يشرك في الأعمال العدائية الأشخاص العاجزون عن القتال ويحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب"

ارتقى ما يزيد عن عشرون شهيدا معظمهم من الأطفال في حدث مروع ومجزرة ارتكبها نظام الأسد هذه المرة في حي الوعر المحاصر في مدينة حمص أصيب بها ما يزيد عن المئة من المدنيين بجروح متفاوتة الخطورة والتي تجعل العدد قابلا للارتفاع.
أما المكان فهو حديقة متواضعة بأحد شوارع الوعر والتي تحوي على بعض الأراجيح الحديدية التي لا ترقى لتسمى مدينة لملاهي الأطفال، وقد خلت بظروف الحصار المطبق من عربات السكاكر وبسطات الحلويات، ومع ذلك ضجت بأصوات الأطفال وضحكاتهم التي لا تعبأ بالحرب ليكون اجتماعهم بأعداد كبيرة هو المبهج الوحيد في هذا الوقت.
والزمان هو عصر ثالث أيام عيد الأضحى يوم السبت في 26 من أيلول الجاري، وفي اكتظاظ ملحوظ للأطفال حول الألعاب واجتماع للأهالي حول سيارة لحوم الأضاحي الأولى التي دخلت الحي بعد منع تام نفذ فيه المخزون النفسي والجسدي والمؤن المنزلية على حد سواء، لتقف السيارة وكأنها سراب في الظمأ على مقربة من الحديقة على أبواب إحدى الجمعيات الخيرية.
وبغمرة طاعنة في الحزن سجل التاريخ تفاصيل المجزرة والتي بدأت بإصرار الأطفال على أهليهم أن يخرجوا لأي متنفس يجمعهم بما يطيب لنفوسهم البريئة، وبعد يومي العيد الأوليين رفض فيهم الأهالي الخروج من منازلهم لمعرفتهم التامة بخسة ونذالة نظام الأسد في استثمار هكذا تجمعات لإشباع غريزتهم بالدم البشري ومتعتهم بالقتل وأمام عجزهم عن تأمين أي بديل يبهج نفوس أطفالهم أذعنوا لهم وخرجوا معهم في فسحة يبدو أنها كانت الأخيرة لمعظمهم.
وفي بهجة صنعها اجتماع الأطفال دبت الحياة في شريان الشارع كاملا ينزل بعض الشبان ليجربوا الفرح بعض الشيء بعد أن طغى حزن الحنين للأهل وذكريات العيد ما قبل الحرب، ولينزل متطوعون من جمعيات وفعاليات ليوفروا خدمات ولو بسيطة لهؤلاء الأطفال لبث الفرحة في نفوسهم والتي بها تعود الحياة والفرحة للكبار.
وبعد طمأنينة نسبية شعر بها الجميع صدر أمر من المخابرات العسكرية والسياسية في فروع النظام بمدينة حمص باستهداف تجمعات الإرهاب لينفذ الدفاع الوطني وشبيحة فروع الأمن والجيش مجتمعين البيان فورا، ويدوى صاروخ الحقد الطائفي الموتور لينزل بغدر في وسط الحديقة بين الجموع، وتغطي سحابة سوداء المكان وتتناثر قطع اللحوم البشرية اللينة فيه من طفولة بريئة لم تعينها الحرب ولم تأبه لحقد وغدر جاوز الحد مداه.
وفي صدمة لن ينفك هولها يهرع أبناء الحي وشبان الدفاع المدني تحت التمشيط بالأسلحة الثقيلة التي تتبع كل قصف صاروخي للحي وتستهدف أي تحرك للإنقاذ، ليحملوا أجساد صغيرة حمراء غصت بها سيارات الإسعاف، لتغص بها أيضا المشافي الميدانية التي لا يرقى أن تحمل اسم مشفى بعد نفاذ وشح كافة المواد والمستلزمات.
وبعد مضي الساعات الأولى التي يلف بها الأهالي هرعا بحثا عن أولادهم بين النقاط الطبية بشكل يدمي قلوب حتى الذين لم تصب ذويهم الفاجعة تختفي أصوات النحيب والصراخ لتستمر الانفجارات المتوالية تهز الحي حتى ساعات الليل المتأخرة، لينام الحي بعدها وتهدأ أزقته بحزن شارك فيه الحجر ووثقته أرض "حديقة الموت"...............

ويستيقظ أهالي الوعر صبيحة الأحد في اليوم التالي يلملمون الجراح النفسية والجسدية ويدفنون شهدائهم في مكان أخفقت فيه الحياة وتعثرت به الإنسانية مجددا.................................................
author
مركز حمص الإعلامي - Homs Media Center
عبارة عن مجموعة من الشباب الناشطين والإعلاميين المتواجدين على أراضي محافظة حمص. هدفنا؛ العمل لصالح بلدنا سورية عامة وحمص الحبيبة خاصةً. سيكون عملنا إحترافي وحيادي.