محمد أبو مصعب: مركز حمص
قضية اجتماعية محلية، مدينة حمص، الوعر
تستمر
فصول الحرب السورية لتعيش البلاد من شرقها لغربها معاناة بكافة نواحي الحياة،
تختلف حسب ظروف كل مدينة لتكون حمص وسط البلاد هي الأوفر حظا بسبب موقعها الجغرافي
والتركيبة الديموغرافية وتنوعها السكاني، وتتغير المعطيات وتختلف توازنات القوى
وتزداد سيطرة النظام على حمص المدينة بعد اتفاق أيار 2014 ليدخل حي الوعر في أتون
حصار نسبي واتفاق هدنة لا يبدو أنه سيؤتي أكله بعد تصعيد حربي دوري ومفاوضات
يعلقها النظام بتغير الأوضاع وتقدمه وانحساره بكثير من المدن بطابع طائفي مشحون،
كل هذه المعطيات فرضت واقعا مختلفا في الوعر أدى لقضايا اجتماعية استجدت في مجتمع
مدينة حمص وقد تكون نموذجا عن مناطق سورية أخرى, والزواج المبكر وازدياد الزيجات
هو إحدى القضايا أو الظواهر التي صارت ملحوظة بمجتمع حمص الذي يميل للتدين
والوسطية بفطرته, وبتسجيل وتوثيق للكثير من الشهادات الحية لحالات الزواج من شبان
أقدموا عليه بجرأة في مقتبل سنوات شبابهم يلاحظ المراقب أسباب هذه الظاهرة التي
انتشرت بين فئات الشبان كافة من مدنيين وعسكريين, فأكبر ما دفعهم لهذه الخطوة هو
تدني الأعباء المادية التي كانت تعيق الشباب السوري فيما سبق وتحجمه عن الإقدام
على هذه الخطوة, فاختلاف اهتمامات المجتمع والنزوح المتكرر والتفرق الأسري والفقر
العام الذي أصبح وباء أصاب كافة شرائح المجتمع حتى الميسورين كله جعل
التركيب الاجتماعي ينظر للموضوع فقط بجانبه الديني من الستر وتحقيق سنة الحياة
التي لا بد منها, كما أن فقدان عوائل كثيرة للمعيل أو لذويهم وظروف
الحرب والحصار جعلت النزعة الاجتماعية تميل برمتها نحو تزويج البنات مبكرا لأول
شاب يملك قدرا كافيا من الأخلاق للتخفيف من العبء الاقتصادي الذي أصبح منهكا
للأسرة وبشكل أولى بهدف الستر والخوف من حدوث خدش في حياة الفتاة وخصوصا بعد تسجيل
حالات تعتبر كوارث مأساوية في مجتمع محافظ كمجتمع حمص. وللزواج المبكر بين فئات
الشباب نقاط إيجابية عديدة أهمها الانسجام الاجتماعي وتقوية أواصره وازدياد روابطه
بالإضافة لتحصين الشباب والفتيات من الانزلاق وراء عنفوان ازداد جرأة بزمن الحرية
الحديثة العهد بوطن حرم منها لما يزيد عن نصف قرن, كما أن الزواج يدفع المجتمع
وخاصة فئات الشباب بدفع روح اليأس والإحباط التي وضعتها ظروف الحرب بإكمال حياتهم
وإنجاب أطفال يجددون حياتهم بعد فقدان معظمهم لذويهم واخوانهم أو أباءهم من شهداء أو معتقلين أو مفقودين, فالزواج يعوض هذا النقص
الاجتماعي المفاجئ في حياة الشاب ويخفف الفاجعة ويشجع الصمود في حرب استنزفت مئات
الألاف من أرواح السوريين وتجدد توالد المجتمع في زمن الحرب السورية التي يبدو
أنها طويلة الأمد لتضع أوزارها. وكما هناك إيجابيات عدة للزواج المبكر
وازدياد واقعات الزواج إلا أن هناك سلبيات كثيرة مقابلة, أهمها المشكلات
الاجتماعية والأسرية الناجمة عنه, فمعظم الشبان وخصوصا من هم في الثامنة عشر عاما
لأوائل العشرينات لا يملكون قدرا كافيا من المسؤولية الملقاة عليهم بعد دخولهم
عالم الزوجية وتحولهم لأرباب أسر, وليس لديهم أفكار عن أسلوب تعاملهم مع شركائهم وعوائلهم
وواجباتهم الاجتماعية نحوهم, الأمر الذي يوقع الكثيرين بفخ المشكلات ببداية حياتهم
الزوجية, وبقلة الوعي والتبصير اللازم
للشاب والفتاة بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم وخصوصا بعد إنجاب طفل تحدث
الكثير من المطبات التي تنتهي بالطلاق والذي يتجرأ به الشاب لعنفوانه الكبير الذي
مده به صلابة السلاح الذي يحمله وقسوة الحياة والحرب كما حصل بكثير من
المرات, ليكون الطلاق والتفكك نتيجة تزيد العلاقات الاجتماعية المنهكة سوءا,
والحديث بجوار سلبيات الزواج المبكر وازدياده بالمجتمع يطول إلا أن أهم السلبيات
المسجلة بشهادات واقعية أيضا هي الحالة الصحية للفتيات التي انتقلت للزوجية بعمر
14 عاما, فسوء التغذية وعدم النضوج واكتمال البنية والحمل المبكر الذي يحصل ينهك
الفتيات جسديا ونفسيا بمقتبل عمرها و يكتمل الوضع سوء بظل الفقر والحصار الذي يمنع
العلاج العاجل والتغذية السليمة ويحول دون ترميم البنية الجسدية النفسية لينتقل
الأمر لمرض مزمن يصعب علاجه. وبتحقيق سريع حي مع الأزواج الشباب فهم
"بكثرة" لا يعبؤون بالحالة الصحية لزوجاتهم بلهفة المسؤول، فغالبيتهم
عند اقدامهم على الزواج يعتمدون على الجمعيات الخيرية التي تعنى بشؤون الأسرة قدر
المستطاع مستذرعين أن هذه
حال المجتمع ككل والحرب والحصار وقلة ذات اليد تحول دون اتخاذهم خطوة نحو الحل في
شعور واسع أن معظمهم لا يهتم حتى بالإحاطة النفسية للشريك التي هي أهم خطوات
العلاج, و طبعا لا يستغرب هذا الأمر عند معرفة أن ما يعرفه الشاب اليافع عن الزواج
هو فقط التواطؤ الجسدي وقضاء الوطر الذي اختصر به الزواج حسب مفهومه ووعيه الذي
نشأ من سنوات قليلة هي استثنائية بكل جوانبها بظل الحرب التي تشتد و تكاد تنهي
عامها الخامس. فيما سبق تسجيل سريع واقعي لبعض النقاط المتعلقة "بظاهرة
الزواج" في مجتمع محلي كمدينة حمص وهو مدعوم ببعض الشهادات والوقائع التي
يطول ذكرها، لا تشجيعا ولا تثبيطا للزواج
المبكر والمقدمين عليه بل تذكيرا بأهمية تبصير الشباب
والفتيات بحجم الزواج وما يترتب عليه, فالزواج الإسلامي يعد أرقى سمات مجتمعنا
المتميزة التي تحفظ الانساب والأخلاق والأعراض وعلينا أن نكمله بإحاطة كاملة لكافة
جوانبه ليكون نجاحا في تشكيل أصغر نواة المجتمع التي ينطلق منها بالصمود
والاستقرار و بناء الحياة خاصة في زمن الحرب في سوريا، وهي مسؤولية القائمين على
المجتمع وبالمكان الأول ذوي الطرفين لتوعية أبنائهم بالزواج وتشكيل الأسرة في وطننا
السوري الذي ما يزال يقف على أبواب الحرية.