ميسرة بكور – العاصمة ديلي نيوز
تبدو عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض هذه الأيام كخلية نحل، ومحجاً لمعظم قادة وساسة العالم من عرب وعجم.ما إن تم نقل السلطة في العربية السعودية من الملك الراحل عبد الله إلى أخيه الملك المتوج سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حتى أغرق برنامج الملك الجديد بقائمة طويلة من طلبات اللقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث شملت قائمة اللقاءات والتي بدأت بلقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وخمسة قادة ومسؤولين خليجيين؛ هم: أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى جانب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، ونائب رئيس وزراء عمان فهد بن محمود آل سعيد، وثلاثة زعماء عرب؛ منهم: العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، وفلسطين محمد عباس. وكذلك رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان.
كما شملت قائمة اللقاءات: الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية الفريق أول ركن راشد محمود نشان امتياز.
هذا إن دل يدل على مكانة العربية السعودية من الناحية الإستراتيجية وأن الثقل السياسي الذي تمثله المملكة العربية السعودية يشير إلى أن أي مشروع في المنطقة يجب أن يكون للسعودية رأي فيه صغر أم كبر شأنه.
لكن السؤال الذي يطرحه مراقبون: هل سيكون لهذه الاجتماعات مع مسؤولي وقادة العالم والعرب تصور مختلف لخارطة السياسة العربية بالتعاون مع تركيا؟
هل سيتمخض عنها ولادة فجر جديد في المنطقة العربية التي تلاطمت أمواجها وكثرت فيها أعاصير التغيير ونمت فيه الجماعات المتطرفة والتي باتت تهدد استقرار المنطقة وبالتالي العالم؟
هل سنشهد مولد تحالف جديد تفرضه مقتضيات الضرورة الملحة الذي نتج عن التغول الإيراني وامتداد أذرعها في المنطقة العربية من بيروت إلى صنعاء مروراً بدمشق وبغداد؟
وهل ستفرض مقتضيات المصلحة إعادة النظر في بعض الخطوات التي اتخذتها المملكة في عهد الراحل الملك عبد الله آل سعود؟
نتحدث هنا تحديداً عن تطبيع العلاقات مع تركيا لما تمثله من ثقل سياسي وعسكري. وهي العضو في حلف الناتو. وأيضاً علاقاتها بتنظيمات إسلامية تصنفها السعودية على أنها منظمات إرهابية، على رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.
لا يخفى على متابع الأوضاع الحرجة التي وصلت إليها منطقتنا العربية من تدهور أمني وتنامي ظاهرة التطرف والتعصب الديني واستغلال بعض المنظمات الدين لتمرير مشاريع سياسية لا علاقة لها بالدين الإسلامي. وتستغل تصرفاتها البربرية التي لا تمت للإنسانية والحضارة بِصلة، وهو ما يستغل من قبل بعض اليمين واليسار المتطرف في الغرب ضد الإسلام وتعزيز مفهوم الخوف من الإسلام "الإسلامو فوبيا" منها على سبيل المثال لا الحصر حركة «بيجيدا» المعادية للإسلام.
إن الوعي بكل هذه التحديات والصعوبات الناجمة عن التدخل الإيراني والتجاهل الأمريكي له. وتطرف بعض التيارات التي تسمي نفسها إسلامية على رأسها "تنظيم الدولة" وانتشار ظاهرة العداء للإسلام في الغرب، يفرض واقعاً جديداً يجب التعامل معه بجدية أكبر، ويفرض أيضاً تقارباً تركياً عربياً وربما مصالحات "تركية مصرية قطرية" ما يؤدي إلى تشكيل تحالف تكون أقطابه "السعودية مصر تركيا"، وما بينهم من دول تدور في فلكهم بهدف إيقاف المارد الإيراني عند حده وقطع أذرعه التي تعبث في المنطقة أمثال حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سورية وميليشيات الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن.
المتغيرات الملحة والتطورات الدراماتيكية المتسارعة في المنطقة والمصلحة العربية تقتضي تحالف استراتيجي إقليمي جديد تفرضه عملية تغيير الخارطة السياسية للمنطقة العربية وخاصة في العراق وسوريه واليمن.
وما قام به تنظيم الدولة بإلغاء الحدود التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو في بداية القرن الماضي، وتنامي الشعور القومي لدى الكرد في المنطقة والتقاط لحظة التخبط والتدهور الذي تعيشه كل من سورية والعراق لتحقيق حلمهم القومي بالاستقلال وإنشاء دولتهم المزعومة، والتي ستكون على حساب الدولتين وشعوبهما لما تحتويه تلك المناطق التي يرغب الكورد بإقامة دولتهم عليها من ثروات نفطية وسياحية، سيكون لها انعكاسات سلبية على الدولتين في حال انفصالها عن الدولة المركزية في سورية والعراق، لذا يبدو الحل الإقليمي ممثلاً بالتحالف العربي التركي هو وحده القادر على فرض إرادة تلك الشعوب على دول العالم بما فيهم الإدارة الأمريكية المترددة في اتخاذ خطوات جدية ويكون من شأنه إيقاف نزيف الدم في المنطقة. ووضع إيران في حدودها. والمتناغم مع المصالح الإيرانية على حساب المنطقة العربية وشعوبها.
التحالف المرجو، هو الذي سيفرض الرؤيا الإقليمية العربية التركية، سيكون له دور قوي بفرض الإرادة المحلية على القوى الإقليمية، ويكون سداً منيعاً في وجه فرض أي حل دولي يكون على حساب وحدة أراضي المنطقة وسيادتها، ويمنع أي نوع من أنواع التهميش لدول المنطقة المحلية والقوى الإقليمية "تركيا".
مع الأخذ بعين الحسبان بأن على هذا التحالف المتوقع ولادته في ظل هذا المخاض الذي تشهده العربية السعودية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أن يحترم مصلحة كل الدول المتحالفة ضمن الحلف الجديد ويحترم خصوصية كل دولة، ومن ضمنها مصلحة الجمهورية العربية السورية، هذه الدول "سورية العراق اليمن"، ومساعدة شعوبها على تطوير نظام سياسي يحترم كل الفئات ويؤمن إرادات شعوبها السياسية على أسس ديمقراطية يقررها كل من الشعب السوري والعراقي وكذلك بالنسبة إلى اليمن. دون أي ضغوطات قد تمارس من جهات خارجية أو تفرض شروطاً مسبقة على تلك الشعوب.
فلا يمكن لأحد على مستوى صنّاع القرار أن يتجاهل ما تمثله العربية السعودية في صياغة وصناعة مستقبل المنطقة بثقل سياسي وتاريخي وديني واقتصادي لا ينكره إلا واهم ومنفصل عن الواقع تماماً، فما تعيشه المنطقة يستلزم عودة سريعة وحكماً رشيداً من الملك الجديد. الذي يرى فيه متابعون ومحللون نهجاً يمزج الحكمة مع الحداثة، لعل كل هذا يبقى في خانة التكهنات والقراءات السياسية في ظل ما تشهده العربية السعودية من اجتماعات على أعلى المستويات ويظل مشروعاً قابلاً للنقاش، وتعقد شعوب المنطقة آمالاً كبيرة عليه بأن يكون نواة للحل الذي يجنب المنطقة مزيداً من الانقسام ويوقف شلالات الدماء وهذا ما ستظهره جلياً قادمات الأيام ولعله متنفس المنطقة الأخير فنحن نتحدث عن المملكة العربية السعودية.
* باحث سياسي سوري
* باحث سياسي سوري
المصدر: العاصمة ديلي نيوز