من الأرشيف معاناة النازحين في المخيمات |
مدفأة الكرتون
أوقد يا صغيري فالجو بارد جدا ..
هذه هي الكلمات الأخيرة التي تمتمت بها المرأة المفجوعة قبل أن تنساب عيونها ببحر الذكريات .
فمن سنوات ثلاثة مرت كانت ليالي الشتاء تمر خجولة على أجساد أطفالها السبعة .
ولكن سنة الشتاء هذه اقتحمت خيمتها دون خجل أو حياء يذكر .
فالأطفال السبعة أجسادهم باتت عرضة لكل ماهو مزعج من برد ومرض وجوع ، بل إن أجسادهم غدت مشاعا لكميرات التصوير وغطرسة الداعمين وعهر المفكرين .
وما أكثر الدموع التي تسابقت تزف الحزن والحسرة على هذه الأجساد الضعيفة الغضة .
في تلك الليلة الشاحبة أيقظتها طفلتها الصغيرة لما انطفأت المدفأة ، فأرست الأم سفينة الذكريات على شاطئ الدموع وأسرعت تلملم شتات الدفء تحت خرق بالية لينعم السبعة الحيارى بليل هادئ .
وعندما لاح الفجر يزاحم بركابه مكرر الأحداث كانت تتجهز المسكينة لرحلة يومية جديدة .
وشاء الله أن أكون أحد محطات هذه الرحلة المتعبة . فالأم المبتسمة التي رأيت كانت تحمل على عاتقها سنوات النزوح بصبر ورضا عجيبين فقد ألقت علي السلام وابتسامة الرضا ارتسمت على كلماتها المعدودة في مجلسي .
وقالت : ما أحوجني إليك يا هذا إلا شدة البرد والصقيع فأولادي في كل صباح يخرجون باحثين عن وقود للمدفأة وكم هي فرحتهم كبيرة عندما يحضرون كمية كبيرة من الكراتين التي باتت لا تشعرهم بدفئها القديم ، فالصقيع كاد يسحق عظامهم النحيلة .
قاطعتها مندهشا وسألت : ولم الكراتين ؟
فقالت: نعم ياسيدي إنني حولت مدفأة المازوت لمدفأة كرتون ، وإذا أنعم الله على أحد أولادي ببعض النايلون أو الأحذية المهترئة فليلتنا دافئة جدا .
ثم أسهبت في شرح وافر عن قدرة الكرتون في تدفئتهم ومدى شعورهم بالطمأنينة إن حصلوا على قليل من النايلون والأحذية في حاويات القمامة .
الملفت بالأمر أيها السادة أنها لم تشكوى بردها إلا لله ، أما أنا فلقد بصقت على نفسي وعليكم أيها العرب .
بقلم : سلمان الحجازي