"بابا أنا جوعان .. بدي خبز ... ما بدي آكل برغل .. ولا بسكوت" هذه الجملة تختصر حلم الطفل فادي في الحصول على قطعة خبز صغيرة، كما تختصر قصة معاناة والده الذي قضى أسبوعا كاملا في البحث عن ربطة خبز.
يقول "أبو فادي" (40 عاما) لــ "سراج برس": نعيش في مدينة تلبيسة على البرغل وبعض المواد التي تسمح بدخولها حواجز قوات النظام التي تحاصر ريف حمص الشمالي من جميع الجهات ولم نعرف الخبز منذ زمن.
ويعيش سكان المدينة الحمصية على طحن القمح في المطاحن العادية وتزويد الأفران به لإنتاج خبز أسمر ضمن تقنين شديد، حيث يخبز الأفران في حال توفر الطحين كل 3 أيام مرة، وتحتاج المدينة لنحو 15 طن على الأقل توزع على المتاجر ليشتريها الناس خوفا من استهداف الطيران للتجمعات كما حصل في مجزرة الخبز.
وكان "أبو فادي" يعمل كسائق سيارة شحن كبيرة، واليوم عاطل عن العمل حاله كحال الآلاف من سكان مدينة تلبيسة، قضى اوقاتا طويلة يبحث عن ربطة خبز وعد بها ابنه الصغير فادي (5سنوات)، الذي يشتاق لقطعة الخبز وكره البسكوت، حيث تتوفر هذ الأطعمة الكمالية في مفارقة، حققت المقولة الشهيرة المنسوبة لملكة فرنسا ماري أنطوانيت المشهورة: "إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء.. دعهم يأكلون كعكاً"
ويزيد سعر ربطة الخبز التي يبحت عنها الرجل لطفله في الريف الحمصي المحاصر على 250 ليرة سورية، فدله أحد الجيران على شخص يتجهز لنقل والده الشيخ الطاعن في السن ليغسل الكلى في مستشفى الزعيم الخاص في مدينة حماة، وقال له: "إذا كنت مصر على شراء الخبز أرسل ثمنه مع "سعيد" ابن المريض عله يأتيك بها".
وتمنع حواجز قوات النظام ومليشيات الشبيحة المنتشرة على طريق حماة في الشمال، وعلى طريق حمص في الجنوب، مرور أي شخص يحمل قطعة خبز على الريف المحاصر، مع استثناءات تحدثها علبة سجائر، أو (علبة متة) يعطيها العابرون بخبزهم إلى عناصر الحاجز.
في اليوم التالي ذهب "سعيد" مع والده إلى مدينة حماة، وعندما همّ بالعودة اشترى "ربطة خبز سياحي" بـ 50 ل. س، وباكيت سجائر وآخر متة ليعطيها لعناصر الحاجز بغية السماح له بإدخال ربطة الخبز، وحين وصل سعيد ووالده إلى حاجز بين حماة المدينة قرب قرية "بسيرين"، وقعت عينا أحد عناصر "الشبيحة" على الخبز، فبدأ ينعق: " عم تطعمي الثوار يا حقير". وطلب من سعيد النزول من السيارة، فأعطاه "مهرب الخبز" الهدية التي أعدها له دون جدوى، ثم أتبعها بــ 1000 ليرة، استقرت في جيب "الشبيح" الذي لم يكف عن كيل الشتائم، وضرب الشاب حتى سقط أرضاً، ثم صادر ربطة الخبز (البضاعة المهربة)، وبدأ هذا العنصر بتوزيعها على زملاءه في التشبيح في حاجز (حماة الديار).
وظلت عينا سعيد معلقة بربطة الخبز حتى تلاشت بدقائق في الأفواه الضاحكة من حوله، وهو ذاهل كأنه لا يسمع شتائمهم، وسط عجز كامل لوالده عن التدخل، ثم عاد بخفّي حنين إلى منزله.
يقول والد الطفل (فادي): أن أحد الجيران تبرع لهم بحفنة طحين أسمر، فصنعوا منه خبزا، علّه يكف عن الإلحاح في طلب الخبز المفقود.
وأكد مسؤول الافران في تلبيسة أن المدينة تحتاج 15 طن لتغطية المنطقة لــ 3 أيام في تلبيسة ومحيطها كلها، والزعفرانة والرستن ذات الكميات تقريبا، مشيراً إلى أن الطحين لم يدخل إلى المنطقة منذ سنتين ونصف.
ويعتمد حاليا السكان على الزراعة المحلية البعلية لتخزين القمح، لكنها تواجه مشاكل كثيرة متمثلة بتأمين المازوت والخميرة، وسط تخوف من عدم استقرار كميات المطر الهاطلة التي يأملون أن تنقذ القمح المزروع.
المصدر : مجد العبيدي - سراج برس
للاطلاع على المقال عبر موقعه الأصلي