تقسيم سورية .. الاحتمال الاحتياطي لنظام بشار الاسد
قام
النظام السوري خلال سنوات الثورة بتغييرات في الخريطة الديموغرافية
والطائفية وهيأ الأرضية لتقسيم سورية إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
تتهم
المعارضة السورية وعلى مختلف مستوياتها النظام السوري بالتحضير لتقسيم
سورية على أساس طائفي، أو بالأصح التحضير لقضم جزء من سورية تسكنه غالبية
علوية موالية للنظام السوري، وهي منطقة تضم ـ تقريباً ـ ثلاث محافظات
سورية، وتبلغ مساحتها نحو 20% من مساحة سورية، وتشدد هذه المعارضة على أن
النظام يُحضّر نفسه للهروب إلى مناطقه الموالية التقليدية لإعلان دويلة
علوية أو (جيب علوي) في حال استشعر قرب نهايته.
التقسيم
الذي تحدثت عنه المعارضة السورية لا يقتصر على إقامة دويلة علوية في
المنطقة الساحلية الغربية من سورية التي ينحدر منها الرئيس ومعظم أركان
نظامه، بل ينسحب الكلام على نيّته إعادة رسم خريطة سورية كلها، وتجزئتها
إلى كيانات أو دويلات صغيرة لينشغل بها السوريين لعقود بينما يُرتّب شؤون
دولته المُفترضة.
ظاهرياً،
يرفض النظام السوري فكرة التقسيم، ودأب مسؤولوه على التأكيد على “وحدة
سورية أرضاً وشعباً”، وعلى رفضهم للتقسيم، ورفضهم للدويلات المبنية على
أساس ديني أو قومي، لكن الواقع العملي يشير إلى عكس ذلك، ويدل على أن
النظام السوري بدأ بالفعل رسم ملامح خارطة تقسيمية منذ نحو سنتين ونصف.
كان
التباين بين الأقلية العلوية (10% من السوريين) والغالبية السنّية (70%) –
كلها نسب تقديرية – موجوداً بقوة خلال العقود الخمسة الأخيرة وإن بشكل
مستتر بسبب الخوف من النظام، وخرج إلى العلن بعد الثورة. فالأسد الأب استلم
السلطة بانقلاب عسكري عام 1970 وأجرى فوراً تغييرات جذرية بجهاز الحكم
وأبعد الضباط السنّة من المواقع الحساسة في الجيش والأمن واستبدلهم بضباط
علويين، هيمنوا على أجهزة الأمن والاستخبارات وقيادات الجيش والدولة، وتحول
حزب البعث والحكومة لأدوات بيد ضباط الأمن العلويين، وصارت المناصب الكبرى
من نصيب العلويين، وكذلك الإدارات العامة والامتيازات، وحتى المنح
الدراسية الجامعية صارت لأبناء طائفتهم، واستحوذ رجال الأعمال منهم مع
الضباط على معظم الصفقات التجارية والسياحية ومناقصات الدولة ، وتراكمت
الثروات بيدهم، ووزعت الدولة الأراضي والسيارات والمزارع على “عظام الرقبة”
منهم.
كان
الخوف على الامتيازات الهائلة التي حصل عليها شريحة واسعة من العلويين منذ
استلام الأسد الأب الحكم قبل نحو 45 عاماً هو السبب الأساسي لوقوف الطائفة
مع النظام، فقاتلوا بشراسة إلى جانبه وأرسلوا عشرات الآلاف من أبنائهم
للموت في سبيل بقائه، وهؤلاء في الحقيقة يمثلون العمود الفقري للأجهزة
الأمنية والاستخبارات والحرس الجمهوري والفرق الخاصة التابعة للقصر
الجمهوري، وقسم كبير منهم ذهب للموت معتقداً أنه يحمي مصير الطائفة لا
النظام وفق ما أُقنعوه.
دمّر
النظام وميليشياته مناطق شاسعة من مدن سورية وبلداتها وقراها وفق سياسة
الأرض المحروقة ، في محاولة إخماد الثورة التي أرادت إسقاطه، ومع فقدانه
السيطرة على العديد من المناطق في سورية، استشعر العلويون خطر تورطهم في
قتل أخوتهم في الوطن، وأدركوا أن الانتقام قد يكون أمراً وارداً خاصة مع
بدء فقدان النظام للسيطرة، فتجمعوا في المناطق ذات الغالبية العلوية في
الشريط الساحلي، وبحث النظام عن سيناريو احتياطي بديل ووجده في الدويلة
العلوية في إطار شكل جديد للدولة في سورية يقسم البلاد إلى كانتونات طائفية
وعرقية ويفصل ويُضعِف المركز السنّي (إن بقي مركز لسورية)، وبدأ يرسم حدود
هذه الدويلة على الخرائط أولاً ثم يطبق على الأرض ما رسمه، فيما واصل
توريط أبناء الطائفة للولوغ بالدم لقطع الطريق عليهم حتى لا يكون هناك
ممانعة لفكرة الدويلة المستقلة.
لعب
النظام على تأييد العلويين له، ونجح في إشعال النعرة الطائفية لديهم بأن
أوحى أن نهايته تعني نهايتهم، ولم تقم المعارضة السورية، أو لم تنجح،
بطمأنتهم وإقناعهم بعكس ذلك، ودفعهم لارتكاب عشرات المجازر في للقرى
(السنّية) التي قد تدخل ضمن المخطط التقسيمي وهي مجازر أقرب للتطهير
العرقي، ولعب على التغيير الديموغرافي لتلك المناطق ليصبح العلويون أكثرية،
فقام بإخلاء البلدات السنّية المحيطة بالقرى العلوية ودُمِّر أغلبها
ونهبتها الميليشيات الطائفية التي شكلها النظام من العلويين، والمراقب
لموقع هذه المجازر وطبيعة تنفيذها يُدرك أنها لم تكن عشوائية، بل متسلسلة
على الخريطة وتمتد على طول شريط غرب سورية يحاذي مناطق تواجد العلويين يمتد
من شمال دمشق في جنوب وسط سورية مروراً بحمص في وسطها وصولاً إلى طرطوس
واللاذقية على الساحل السوري، وهي عملياً حدود الدويلة العلوية التي رسمها
النظام.
المدن
الثائرة في سورية هي مدن ذات غالبية سنّية، لكنها لم تثُر لسبب ديني، بل
طلباً للعدالة والكرامة والإصلاح، وتطورت بعد أول قتيل إلى مطالب سياسية،
وتحوّلت بعد الحل العنقي للنظام إلى ثورة شعبية تطالب بإسقاطه كلياً،
واستغل النظام كل أدواته الإعلامية والسياسية ليوحي بأن هذه الثورة هي حرب
طائفية بين الأكثرية السنّة والأقلية العلوية، وقال إن الأولى تريد إبادة
الثانية، ولم يتبنّ هذا الادعاء سوى صقور النظام من العلويين.
تؤكد
المعارضة السورية وبعض المصادر الاستخباراتية الغربية أن النظام السوري
قام بإجراءات تشير إلى نيّة التقسيم، كنقل قسم كبير من الذهب الموجود
بالبنك المركزي إلى بنوك الساحل، وكذلك غالبية القطع الأجنبي، كما نقل
الكثير من الأسلحة الثقيلة والصواريخ، ووضع أهم طائراته المقاتلة وأحدثها
في مطارات عسكرية هناك، وهذه الإجراءات، مع زرع فكرة الخطر الذي يهدد وجود
الطائفة، كلها مؤشرات على خطة احتياطية للإعلان عن دويلة علوية في وقت من
الأوقات.
لا
يريد النظام السوري، حسب غلاة المعارضين، دويلة واحدة، بل لا يُمانع في
إقامة دويلة كردية في جزء آخر من شمال شرق سورية، وربما لإقامة دويلة ثالثة
درزية في الجنوب، ليبقى جزء من سورية هو الإقليم الأوسط ذو الغالبية
السنية فتقام عليه دولة رابعة ضعيفة لا ثروات طبيعية فيها ولا حدود بحرية.
طوال
العامين الأخيرين، سهّل النظام للأكراد تثبيت نفوذهم في مناطق بشمال
سورية ذات غالبية كردية، ومنحهم قوة ودعماً لدرجة أنهم أعلنوا إدارة ذاتية
وحكومة وبرلماناً خاصاً بهم، وبدأ مسؤولون أكراد يتحدثون عن دولة مستقلة أو
دولة فيدرالية لهم ذات طابع قومي وكأنها حق تاريخي، ورفعوا أعلامهم
الكردية في هذه المناطق ومنعوا السوريين العرب من دخولها إلا بإذن مسبق،
كما بدأوا باستخدام اللغة الكردية كلغة أولى بدلاً عن العربية، وكلها
مؤشرات لنجاح خطة النظام.
التقارير
التي تتحدث عن نيّة النظام السوري قضم دويلة علوية تُذكِّر بقيام دولة
علوية في الساحل السوري عام 1920 برعاية فرنسية إلى جانب إقامة دويلات
صغيرة أخرى في حلب وفي غيرها لم يُكتب لها النجاح رغم جهود الاستعمار
الفرنسي لإنجاحها، وكانت وسائل إعلام عربية وغربية عديدة قد نشرت وثائق
فرنسية تؤكد على أن جد الرئيس الحالي كان واحداً من المؤيدين والمطالبين
بهذه الدويلة.
الآن،
وبعد نحو قرن من الزمن، يعود طرح نفس السيناريو من جديد، فإذا سقط الأسد
فلا يمكن نفي اجتماع العلويين في حصنهم الجبلي، بعضهم هرباً من الجرائم
التي ارتكبها بحق السوريين، وبعضهم الآخر ـ ممن لم يشارك بالقتل ـ خوفاً من
انتقام عشوائي قد يطاله، لكن هذا السيناريو سيكون في الواقع العملي مخضباً
بالدم ومحملاً بتداعياته المدمرة ليس على سورية وحدها بل على مجمل دول
الإقليم. ومن طرف آخر ترى المعارضة السورية إن إسقاط النظام السوري وحده لا
يكفي، بل يجب استئصال النظام العسكري الأمني الطائفي الذي بناه على مدار
خمسة عقود، ونزع السلاح من أيدي جميع الطوائف وتطبيق عدالة انتقالية ضد كل
من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري بغض النظر عن طائفته، والعمل على تأهيل كل
من يحمل نفساً طائفياً للدخول في النسيج السوري من جديد بعد أن جرّهم
النظام لمغامرته وحربه، ومن بعدها البدء بمصالحة وطنية.
يؤكد
السوريون على صعوبة قيام دويلة علوية، لأن الواقع السكاني والديموغرافي
الطائفي في هذه المناطق معقّد ومتداخل لدرجة يصعب فصلها، فهناك أكثرية
سنّية في مناطق هذه الدويلة المفترضة من الصعب تهجيرها كلها، ونسبة غير
قليلة من المسيحيين لن تقبل العيش في دولة دينية، فضلاً عن
عدم امتلاك تلك الدويلة المزمع قيامها مقومات الدولة الحقيقية من بنية
تحتية وقدرات دفاعية واعتراف دولي أو عربي، وستكون بذلك معزولة إقليمياً
وعالمياً، إلا أن هذا الاحتمال يبقى قائماً
وممكناً طالما أن إيران وروسيا تدعمان النظام السوري وتفرشان الأرض حريراً
له ولكل ما يمكن أن يخططه للمستقبل.
عبارة عن مجموعة من الشباب الناشطين والإعلاميين المتواجدين على أراضي محافظة حمص. هدفنا؛ العمل لصالح بلدنا سورية عامة وحمص الحبيبة خاصةً. سيكون عملنا إحترافي وحيادي.