مقالات جديدة

Previous
Next

"أنا فقط" "نقد اجتماعي بهدف البناء ومراجعة الأخطاء وليس للتهديم ولا ينطبق على الجميع"



محمد أبو مصعب - مركز حمص 

في ظل استمرار حرب لا يرى في القريب أنها ستضع أوزراها، و تحول بقعة جغرافية عصفت بها أمواج السياسة وتقلبات أمزجة قادة العالم، لم يعد بمقدور أي فئة أسهمت بوصول سورية إلى هذه المرحلة حتى ضبط أبسط أشكال الانفلات الذي ظهر بكافة جوانب الحياة، فنرى في مجتمع مدني لم تعد تحد جرأته ضوابط مثالا لكل بقاع سورية, ورغم أنها مازالت تأن أوجاع الحرب والقصف والحصار إلا أنه وفي كافة الشرائح الاجتماعية نلاحظ ظهور "الأنا" النفسية, فنرى بكافة طبقات التكوين الاجتماعي انحراف نفسي يتمثل في إلغاء الأخرين بسخط ينزل بكل من حمل رأي أخر أو فعل مضاد أو وجهة نظر مخالفة, فمن العاملين في مناطق تشهد فراغ السلطة نرى العجائب المباغتة من حروب وتسفيه وتشويه يصل لمرحلة الشراسة الأخلاقية, ونسمع ما يندى له الجبين بالإضافة للتخوين والشتات في أصغر بقاع تتحاصر بها هذه الفئات التي يفترض أن تكون يدا واحدة في مواجهة عدوهم الأول,  فنرى من الفئات العاملة على العمل الإداري و الإغاثي مثلا حربا حقيقية في اللهث وراء تصدر قائمة الكرم الأخلاقي بلا رادع في اتخاذ أي وسيلة للوصول إليه, فهذا يخون ذاك ويفضح سوء أخلاقياته, وذاك يرفض مجرد وجود الأخر معه فينطلق بلسان لاذع لا يتوانى ولا يوفر من كلمات الهجاء شيئا في تأدية الواجب تجاه المجتمع من التحذير منه, أما بالانتقال للفئات المسلحة فيكثر الوصف وتتلعثم العبارات, حيث بدأت بمنحىً أخر تماما وتؤدي وظيفة غير التي حملت السلاح لأجلها, فصلابة الحديد انتقلت وجعلت حامله أقسى وأصلب وأعطت حضوره الاجتماعي سخاء دعمه السلاح الذي يحمله ويتخذه ضد أقرانه الذين لا يتقبل وجودهم مجرد مخالفتهم المذهبية ببعض الشعائر أو المعتقدات أو حتى الملبس والمظهر الخارجي, فهذا السلوك الذي نما بالنفوس لا يحتمل إلا فكرة أنه هو الصواب والباقون كلهم على خطأ ولا يرى في مرأة المجتمع إلا نفسه محاولا بكل الطرق نفي الأخر وإبادة حضوره الاجتماعي ودوره في الحياة بمعتقداته وأفكاره, علما أن هذا الأخر ليث بريئا بل في كثير من المرات ما يكون أشرس و أكثر فظاظة,  وبأفضل السيناريوهات يبدأ الإيذاء اللفظي والاجتماعي فقط بسلوك يزيد المجتمع تفككا, ويتحول لمحاولة العراك الجسدي والقتالي الحربي المسلح بمرات كثيرة, أما باقي فئات التشكيل المجتمعي فهي امتداد لهذا التضاد, إنها بحق قضية احترام فطري اجتماعي مفقود بشكل مرضي, لقد فقدنا الاحترام لأنفسنا أولا و لبعضنا بمختصر الكلام قبل كل شيء, وطوبى لمن لم يتحول وراء هذه الفتنة في زمن الانجراف نحو الشر, هناك أمور إيجابية وقواسم مشتركة يجب علينا تنميتها ووضع بعض لمسات المحبة فيها لكي لاندفع فئات فاعلة في المجتمع "آثرت البقاء معنا" إلى الندم وحلم بالرحيل لن يزيد مجتمعنا إلا انهيار.
أما عندما ننتقل لبحث أسباب ظهور هذا "المرض النفسي" فأبرز ما شكل هذه العدوى هو كبت اجتماعي وديني لكافة الحريات والفعاليات لما يزيد عن نصف قرن بشكل خرافي من نظام الأسد، فهؤلاء المرضى لم يحملوا بحياتهم سوى أعلام تمجد رئيسهم الذي أضحى إذعان الرقاب له وللطائفة الحاكمة بكل حيثيات وجوانب ما كان يسمى "دولة" فطرة أو غريزة، حتى كاد الولاء ينتقل في جينات مورثات الأجيال, فكل السوريين وبكل بيت لا يسمعون إلا ردا واحدا من أباءهم ومعلمي جيلهم  عند طرح لأي تساؤل قد يمر في خواطرهم ألا وهو " سكوت الحيطان لها أذان تسمع", فماذا تنتظر من جيل حرم كل شيء بمعنى الكلمة, لم يجرب أن يفكر أو يختار مذهبه الديني أو يمارس رياضته العقلية المفضلة والتفكير الحر, لم يجرب بحياته سوى الخروج بالإعلام هتافا وتمجيدا للأسد الابن وقبله الأب لقيادتهم الحكيمة الفذة, وماذا ننتظر من جيل لم يعهد إلا الإفلاس والفقر الفكري والمادي والتجرد الاختياري تحت وطأة حكم ثلاثة عشر فرعا أمنيا يتدخل حتى بأسلوب اللباس و إقامة الحفلات المنزلية, فحتى أسلوب اللباس في مراحل كثيرة بسورية كان عسكريا للأطفال في المدارس, والانتساب لحزب البعث كان ملزما, والكلام يطول عن القمع و إذلال وطن كامل لقامة الأسد التاريخية التي هدفها تحطيم كل كبرياء بنفوس السوريين, والسرد هنا بمجاورة حقبة ما قبل الثورة يطول, على كل حال هذا كله دفع جيلا كاملا ليجرب ما حرم منه وليتذوق كل ما منعته حقبة الاستبداد البشري التاريخي, فجعلته بنهم وشراهة يطعم كل ألوان الحياة وبشكل لامتناهي البلاهة, فنشوة طعم الحرية المفقودة جعلته يشعر بخدر غير أبه بتبعات أي فعل يقوم به, فحداثة العهد بالصعود المادي و الاقتصادي الفجائي للبعض مثلا بعد حياة مليئة بالمطبات الاقتصادية الحياتية جعلته ينفلت مستخدما كل الذرائع الدينية والمبررات الأخلاقية, وقوة السلاح وصلابته جعلت من نفوس أخرين جربوا فقط الخوف والانكسار يعوضون ضعفهم و سنوات ذلهم بقوة يمدهم بها السلاح, طبعا غير منتبهين ضد من يشهرون سلاحهم الذي يشعرون معه بنشوة القوة, أما الكثير من الفئات الاجتماعية التي كانت مغمورة على هامش الحياة بكافة جوانبها في حقبة أصحاب النظارات السوداء قد وصلت الأن إلى أن تؤدي دورا محددا وضعت به عبثا, إلا أنها وللأسف على مدى سني الثورة و امتداد الصراع انحرفت عن مسارها, فالسبب بوصول عدوى مرض "الأنا" هو المكانة الاجتماعية والسلطة "النسبية إن أمكن تسميتها"  وبعض تفاصيل حياة المشاهير التي كانت دائما فقط في التلفاز, من سيارة وحراس مفتولي العضلات بسلاح لا يقل قسوة عن تعابير وجوههم, وبعض التفاصيل الأخرى من لباس مميز  "يشترط أن يكون لباس شهرة ليس من سمة أهل الشام" و ذقن مشذبه وكل شيء يزيد الحضور الاجتماعي قوة, وخاصة إن كان الخروج بشكل متعمد ليلا و في أجواء تعودنا عليها أن تكون في هوليوود الأفلام, إلا أننا بتنا نراها واقعا للأسف في حمص وفي الوعر أخر الأحياء التي تحتفظ بها المعارضة بما تبقى من كرامتها, التي يحد منها بعض عناصر وشبيحة للنظام موتورين طائفيا يجلسون على مداخل الحي من كافة الاتجاهات والزوايا المتاخمة, وعلى بعد أمتار من هالة هؤلاء المرضى النفسيين الذين يعاني المجتمع من أعراض مرضهم فهم أصبحوا تقريبا كالمرضى الذين وصفهم توفيق الحكيم بمسرحيته "نهر الجنون" لا يشعرون بأنفسهم فهم داخل المشهد, و نسأل الله لهم أن يخرجوا منه ليروا أنفسهم ويطلقوا الحكم بنفسهم على تصرفاتهم التي محال أن يتقبلوها حتى بتفكيرهم, إلا أن غمرة زمن الحرب وفتنة الشر أعطتهم جرأة محرقة رهيبة.
وبالانتقال لنتائج مرض "الأنا" الاجتماعي النفسي فالمجتمع بكل شرائحه هو الذي يدفع الثمن ومن ضمنه أصحاب "الأنا" أنفسهم, أهمها التشتت والفرقة بين كافة الفصائل والمكونات وضياع الجهود الفردية في صعيد الحرب مع النظام, كالفصائل المسلحة التي تتبع لألف جهة وتتخذ ألف تسمية ولها أراء متعددة تنعكس سلبا في المواجهة النظام و تتحول لشرخ بين الحاضن الشعبي للثورة و من حمل السلاح فرضا دفاعا عن هذا الحاضن, وهذا الشرخ امتد ليكون بين كافة أجزاء الفسيفساء الاجتماعية, صدقا وبلا مبالغة إنها بالفعل صورة نمطية تحز بالنفس وتزيدها شعورا عارما بالحزن والخيبة لما آلت إليه النفوس ووصل إليه مجتمعنا, كما أن هذا البلاء النفسي الذي كاد أن يصبح عاما امتد ليصل لعرى الأخوة والأهل والصداقة ويحطمها و يفككها, في زمن التهم المفخخة والعلاقات الاجتماعية المريضة, فالانتقال المفاجئ من أصفاد الأسد وقيوده إلى حرية لا يضبطها محاسبة للذات, ورقابة ضمير مفقود بمرات كثيرة, وفراغ حكومي سلطوي قانوني, كان وبالا لمجتمع في وطن صنف عالميا للعام الجاري على أنه أسوأ مكان للحياة بكل مقوماتها.
"بسم الله الرحمن الرحيم"
"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"

كان هذا بمثابة اعتراف بامتعاض وغصة، ومصارحة جارحة للنفس، فلا ينفع الاختباء وراء الكثير من الصور الإيجابية التي نتفق عليها، وأول خطوة للعودة للأخلاق بفضائلها والتواضع و إلى ما هو أصلا من قيم ديننا الحنيف هو تشخيص المرض النفسي في النفوس وعلاجه حسب كل حالة، والواجب هنا يكمن في سقاية كل بذرة للخير حتى وإن كانت غضة، والحمد لله هناك الكثير منها في مجتمعنا، هذا بحد ذاته يقلل الشموخ الفارغ ويحض على الاندماج بين الأرواح, والبدء بشكل فاعل من أصحاب القرار والوعي والتأثير  بتشجيع الاحترام المتبادل بين كافة شرائح المجتمع, والحض على عدم مصادرة جهودهم وإلغاء دورهم و تقبل نظرتهم في الحياة, فالوطن ومساحة القلب واسعة ولكل فرد مكان ترتبط مساحته على قدر ما يكون لسانه بريئا من الأخرين, والرفق أولا وأخيرا في العلاج والعمل والأخذ والعطاء, رفق تذعن له النفوس وينسج السعادة ويقرب النفوس, حتى يسمو مجتمعنا بأمل يتحقق قريبا مع نصر ترفع رايته يدا واحدة فقط.

author
مركز حمص الإعلامي - Homs Media Center
عبارة عن مجموعة من الشباب الناشطين والإعلاميين المتواجدين على أراضي محافظة حمص. هدفنا؛ العمل لصالح بلدنا سورية عامة وحمص الحبيبة خاصةً. سيكون عملنا إحترافي وحيادي.