مقالات جديدة

Previous
Next

مشهد فيلم واقعي يبيع البرد وهو بحاجة إليه


يعرب الدالي

من على سطح منزلنا في مدينة الرستن شمالي حمص أقف وأشاهد سحب الدخان الأسود تعلو إلى السماء ناتجة عن احتراق المحاصيل الزراعية بعد ان استهدفتها طائرات النظام بالبراميل المتفجرة، دخان اسود من الجهات الأربع شوهت زرقة السماء، ولونتها بألوان كئيبة انعكست على واقعنا فبينما انقل نظري من حولي وبعد أن وصلت إلى شوارع الرستن القريبة رأيت الناس يعشيون حياتهم الطبيعية بالرغم من أصوات الإنفجارات المتتالية طبعا لم استغرب هذا، فعندما يسقط البرميل بالقرب منهم يحتاجون إلى دقائق قليلة لجمع الركام واستئناف حياتهم، ومن بين الذين وقع نظري عليهم شاب علمت لاحقا أن اسمه أحمد يحمل معه برادا صغيرا أزرق اللون وينادي بصوت متعب من ارتفاع درجة الحرارة ينادي الناس ليبيعهم البوظة االباردة استوقفته و نزلت إليه لشراء القليل منها، بالرغم من أن طمعي في معرفة قصته أكبر من طمعي بما يخفف حدة الحرارة.
وبعد أن تبادلت معه الحديث علمت أن أحمد يتيم الأب يعيش مع أمه وإخوته بعد أن توفي والده متأثرا بجراحه نتيجة قصف سابق استهدف المدينة ليجد نفسه رب الأسرة ووقع عليه اعباءها.
أحمد يبيع البوظة لأنها تؤمن له 300 ليرة سورية وهو مبلغ يكفي لشراء الخبز وهذا مايدفعه لتحمل تعب السير على قدميه بالإضافة إلى حرارة الطقس فقد بدأ فصل الصيف
أجابني احمد بنفس الإستهزاء الذي سألته به عن ماذا سوف يعمل بعد انتهاء فصل الصيف وبدء الشتاء البارد، واجابني [ببيع الفول الساخن ومابدها شي بفس البراد بس بتحمل البرد بدال ما اتحمل لحرارة] والناس بدها شي دافئ بدل البارد في الشتاء.
احمد ليس شاب فريد من نوعه فبينما أجالسه ريثما ينتهي من ملئ البوظة لي مر علينا الكثير من الشباب والأطفال يعملون في نفس المهنة مع احترافهم أساليب جديدة كأن يتنقلوا على دراجات هوائية أو يحملون انواع مختلفة من البوظة او يضعون للبراد حمالات شبيهة بأجهزة اللابتوب طبعا هذا يتطلب رأس مال اكبر من 500 ليرة لايملكه الكثيرين.
ومن مبدأ إكتمال الصورة يدفعني الفضول سألته عن مصدر البوظة في ظل انقطاع الكهرباء عن المدينة والجواب وكأنه سر من القرى القريبة التي يوجد فيها كهرباء 
و هذا يتطلب من احمد أن يسير ساعات في الصباح الباكر قبل شروق الشمس لشرائها وتحضيرها قبل ان يبدأ رحلته اليومية.
تركني أحمد و ممضى باحثا عن رزقه يردد عباراته ذاتها في صوت أعلى تعبيرا عن فرحه بعمله هذا، خاصة وأنه علم أني سوف اجعل الأخريين يقرأون عنه. احمد يمضي في عمله وأنا اعود إلى السطح لكي اراقب الحرائق والطرقات التي فيها احمد ومحمد وحسين وعيسى وقد لونت الحرب حياتهم بألوان قاسية اخرى.

المصدر: مركز حمص الإعلامي - Homs Media Center
author
مركز حمص الإعلامي - Homs Media Center
عبارة عن مجموعة من الشباب الناشطين والإعلاميين المتواجدين على أراضي محافظة حمص. هدفنا؛ العمل لصالح بلدنا سورية عامة وحمص الحبيبة خاصةً. سيكون عملنا إحترافي وحيادي.